قطر وتركيا- دعم مستمر أم تقلبات في الملف السوري؟

المؤلف: محمد سرميني11.07.2025
قطر وتركيا- دعم مستمر أم تقلبات في الملف السوري؟

شهدت الثورة السورية تحولات جذرية في خريطة التحالفات، مع تغيرات ملحوظة في مواقف الدول التي كانت تُعرف بـ "الدول الصديقة للشعب السوري". في البداية، أعلنت دول عديدة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، دعمها السياسي والعسكري للثورة. ولكن بعد مرور 13 عامًا، تقلص عدد الدول الداعمة للثورة ليقتصر بشكل أساسي على قطر وتركيا. هاتان الدولتان، بدورهما، شهدتا تقلبات جمة أثرت في دورهما على الساحة السورية. هذه التقلبات بدأت بتراجع الدعم الدولي للمعارضة السورية، والذي تجلى بوضوح في قرار الولايات المتحدة الأمريكية بإنهاء برنامج تسليح المعارضة في عام 2016. وتفاقمت الأمور مع الأزمات الداخلية التي عصفت بالدوحة وأنقرة، مما انعكس سلبًا على دورهما الخارجي بشكل عام. فقد واجهت قطر أزمة المقاطعة الرباعية من دول الجوار ومصر بين عامي 2017 و2021، بينما انشغلت تركيا لفترة طويلة بمعالجة الآثار المترتبة على المحاولة الانقلابية الفاشلة في يوليو 2016.

لا يخفى على أحد الدور الجوهري الذي لعبه الفاعلون الإقليميون، وخاصة في دعم المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري. وعلى سبيل المثال، قدمت قطر دعمًا ماليًا سخيًا لقطاعات حيوية، وعلى رأسها القطاع الإنساني والإغاثي. بالإضافة إلى ذلك، لعبت تركيا، بحكم موقعها الجغرافي الذي يربطها بأطول حدود مشتركة مع سوريا، دورًا محوريًا في توفير الدعم السياسي للمعارضة السورية، وذلك بفضل ثقلها السياسي وعلاقاتها المتشعبة مع مختلف الفاعلين الدوليين.

على الرغم من التغيرات السياسية التي ألقت بظلالها على مواقف قطر وتركيا في الملفات الخارجية، والتي دفعتهما إلى تخفيف لهجة الخطاب في بعض الأحيان تجاه النظام السوري، والابتعاد عن استخدام مصطلحات مثل "رحيل الأسد" و "إسقاط النظام"، إلا أنه يمكن القول بأنهما حافظتا على حد أدنى مقبول من الدعم بالنسبة للشعب السوري والمعارضة السياسية والعسكرية. هذا الحد الأدنى يتمثل في الدعوة إلى تفعيل العملية السياسية بموجب القرارات الأممية، وما تتطلبه من تغيير الدستور وإجراء انتخابات حرة ونزيهة ينتج عنها سلطة جديدة، بالتوازي مع استمرار الدعم المالي والسياسي من الجانبين.

إن أهمية الدول الإقليمية، وخاصة دول الجوار، في إيجاد حلول للأزمات لا تقل مطلقًا عن أهمية مواقف الفاعلين الدوليين الكبار. بل في كثير من الأحيان، قد تساهم بعض الدول الإقليمية في تشكيل مواقف الدول الكبرى حيال قضية معينة، وذلك لما تمتلكه دول الإقليم من دبلوماسية فعالة وأوراق تفاوضية مؤثرة.

وفي الحالة السورية، نلاحظ مع مرور الوقت أن هذا الملف يتراجع في كثير من المراحل على قائمة أولويات الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وذلك بسبب تعدد ملفات الصراع وتفاقم الأزمات، وسيولة الأحداث على الساحة الدولية. وقد تجلى ذلك بوضوح بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، حيث أصبحت هذه الحرب ذات أولوية قصوى بالنسبة للغرب وروسيا على حد سواء، مما أدى إلى إصابة الملف السوري بحالة من الجمود. وفي ظل هذا الجمود، تعمل الدول الإقليمية جاهدة على تحريك هذا الملف من خلال بعض الجهود والمبادرات الدبلوماسية.

تمتلك قطر قوة ناعمة لا يستهان بها ونهجًا دبلوماسيًا رشيدًا، بالإضافة إلى علاقات إيجابية مع مختلف الأطراف الدوليين. وقد أظهرت الدوحة إمكاناتها وقدراتها الدبلوماسية بوضوح خلال وساطتها الناجحة في أحداث غزة الأخيرة. وفي المقابل، تعتبر تركيا طرفًا مؤثرًا في تحديد السياسات الروسية والغربية في المنطقة. وقد تجلى هذا التأثير بوضوح خلال الوساطة التي قامت بها في الحرب الروسية الأوكرانية. ومن هنا، يمكن تقدير مدى أهمية حفاظ المعارضة السورية على علاقات استراتيجية وثيقة مع الجانبين، قطر وتركيا، من أجل ضمان استمرار دعمهما في تحقيق انتقال سياسي سلس في سوريا، وإعادة بناء ما دمرته الحرب التي شنها النظام السوري وحلفاؤه ضد شعبه.

إن الملف السوري يشهد باستمرار تقلبات وتحولات، وذلك بسبب تأثره الشديد بالمتغيرات الدولية المتسارعة. وبالتالي، قد نشهد في مرحلة ما توسعًا في دور الفاعلين الإقليميين، وخاصة قطر وتركيا، في سياق تبادل الأدوار مع أطراف دولية وازنة، وذلك وفقًا لحسابات التوازنات الدولية المعقدة. ولذا، فإنه من الأهمية بمكان بالنسبة للمعارضة وقوى الثورة السورية بكافة مكوناتها الاستعداد لهذه المرحلة، والعمل على بناء علاقة صحية ومتينة مع الحلفاء الحاليين، وتوسيع دائرة التحالفات لتشمل أطرافًا فاعلة أخرى.

إن المطلوب اليوم هو تحقيق التوازن في التعاطي من جانب المعارضة السورية، وجمهور الثورة، والإدراك العميق بأن التمسك بالأهداف والمطالب المحقة، لا يتعارض إطلاقًا مع تفهم مصالح الأطراف الدولية المساندة للمعارضة والشعب السوري. فسلوك الدول عمومًا مدفوع إما بمعالجة المخاوف أو بتحصيل المصالح السياسية والاقتصادية، وبالتالي يجب عدم التعامل على أساس أن غير السوريين هم أصحاب القضية. وفي المقابل، هناك ضرورة ملحة لخلق مهارات سياسية رفيعة للتعامل مع الحلفاء، تستهدف المحافظة على الحلفاء الحاليين وتوسيع نطاق التحالفات على قاعدة المصالح المشتركة، وليس خسارة الموجودين.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة